قال إن لبنان تأثر سلبا بالأزمة السورية.. لكن التأثير الأكبر كان جراء أوضاعه الداخلية
ثائر عباس
أكد رئيس الهيئات الاقتصادية اللبنانية الوزير السابق عدنان القصار طرح اسمه لترؤس حكومة انتقالية تقود البلاد حتى الانتخابات النيابية المقبلة، معلنا في حوار مع «الشرق الأوسط» استعداده لقبول هذا المنصب إذا كان هناك توافق سياسي جامع عليه، مشترطا «عدم وضع شروط» عليه لتولي مثل هذا المنصب.
وحذر القصار من استمرار «تضييع الفرص»، معتبرا أن الوضع السياسي أصبح مركز الضعف البنيوي الذي يكبل محركات الاقتصاد ويفاقم الأزمة الاجتماعية. وهذا الأمر لا يجوز أن يستمر.
وكشف القصار أن لبنان نال نصيبه من التداعيات الاقتصادية جراء الأزمة السورية، خصوصا أن الاقتصاد اللبناني يرتكز بشكل أساسي على قطاعات الخدمات، ولا سيما السياحة منها، حيث كثير من السياح من الإخوان العرب تعودوا زيارة البلدين بالتتابع. كما أن سوريا تشكل المعبر البري للصادرات اللبنانية إلى الأسواق العربية. لكن هذه التأثيرات لا تزال محدودة ومحصورة ولا تصل إلى مرحلة الخطورة. وأشار في المقابل إلى أن «التأثير الأكبر على الاقتصاد اللبناني هو من جراء أوضاعنا الداخلية». وفي ما يلي نص الحوار:
* دخل لبنان نفقا سياسيا وحكوميا معقدا بفعل تباعد مواقف الأطراف المعنية، فما رأيكم بالدعوة لتأليف حكومة جديدة لتقطيع مرحلة الانتخابات النيابية؟
- إن صيغة الحكومة التي تلقى قبول جميع الأطراف السياسية هي الأنسب في الظرف الحالي، سواء بالنسبة لمرحلة الانتخابات النيابية أم بالنسبة لأي مرحلة أخرى. ذلك أن استقرار الأوضاع في لبنان ونهوضه الاقتصادي يحتاج إلى جهود جميع الفرقاء، كما أن التنوع في لبنان هو ميزة علينا أن نستثمرها لتحقيق الأفضل للوطن، عوضا عن الفرقة والتباعد.
* هل تعتبرون الدعوة إلى حكومة تكنوقراط مناسبة؟ أم الأفضل تأليف حكومة وحدة وطنية؟
- لبنان لا يقوم إلا على التوافق. والظرف الحالي يتطلب صيغة أقرب ما تكون للإجماع التوافقي والوحدة الوطنية. وبالإمكان تعزيز الحقائب ببعض الوزراء التكنوقراط، كما يجري عادة، لكن الأفضل أن يكون للحكومة طابع سياسي وطني مستقل ومقبول من جميع الأطراف. وبعبارة أخرى، لا بد دائما من مراعاة الاعتبارات السياسية في أي تشكيلة حكومية، إذا ما أريد لها الاستمرار والعمل المنتج.
* يتردد اسمكم لرئاسة حكومة محايدة، ما مدى استعدادكم لقبول المهمة؟ وما طبيعة علاقتكم بـ8 و14 آذار؟
- هذه ليست المرة الأولى، حيث يرد اسمي في كل مرة يجري فيها الحديث عن تشكيل حكومة جديدة. وطوال مسيرة عمري والمراكز الرفيعة التي تبوأتها على المستويين الاقتصادي والسياسي لم تكن المناصب تعني لي هدفا بحد ذاتها، بل وسيلة لخدمة وطني وإنمائه، ولممارسة قناعاتي المستقلة وتوظيف إمكاناتي وعلاقاتي في سبيل ذلك. وأنا مستعد لأن أخدم بلدي، كما خدمته في ميادين عدة سابقا، وأستطيع أن أخدمه عندما أكون في موقع المسؤولية. المهم أن يكون هناك اتفاق يمكّنني من القيام بإنجازات خلال الوقت القصير الذي يفصلنا عن موعد الانتخابات النيابية، ويكون ذلك من دون أي شروط مسبقة تفرض على من قبل أي شخص كان.
وعلى كل حال، فإن الموضوع كما يتبدى لي قد يكون سابقا لأوانه، باعتبار أن هذا الأمر لم يطرح بشكل رسمي معي.
لقد حافظت دائما وما زلت أحافظ على علاقات ممتازة مع جميع الأطراف السياسية، وذلك بفعل المواقف المستقلة التي أتمسك بها، والتي لا تنحاز إلا لمصلحة لبنان ومصلحة جميع أبنائه، ليكون بلدي في أبهى صوره، معتزا بإمكاناته وطاقاته البشرية الخلاقة، وبالتالي يستفيد من الفرص المتاحة عوضا عن الاستمرار بإضاعتها. هذا هو هدفي الأول والأخير وقناعاتي التي أعمل في سبيلها وأكرس لها كل طاقاتي وكل علاقاتي العربية والدولية على جميع المستويات، سواء كانت سياسية أم اقتصادية.
* هناك كلام عن احتمال تأجيل هذه الانتخابات.
- من الضروري أن يكون هناك انتخابات نزيهة توصل الذين يريدهم الشعب، خصوصا أن دولا عدة في المنطقة أجرت انتخاباتها بنجاح، فكيف بنا، نحن الذين اعتدنا إجراء الانتخابات حتى في أصعب الظروف. نحن بلد ديمقراطي، ويهمنا أن نحافظ على هذه الصيغة. وعلى التعددية التي يجب أن نتمسك بها.
* في ظل تعطل الحوار السياسي، هل من فرصة لحوار اقتصادي يمنع المزيد من التدهور الحاصل في القطاعات الإنتاجية، ويخفف من وطأة التداعيات الاجتماعية والمعيشية؟
- لقد أصبح الوضع السياسي مركز الضعف البنيوي الذي يكبل محركات الاقتصاد ويفاقم الأزمة الاجتماعية. وهذا الأمر لا يجوز أن يستمر. وأنا كنت من أول الداعين إلى الحوار الاقتصادي، لأن الاقتصاد هو الجامع المشترك بين كل الأطياف. وحين نطالب كهيئات اقتصادية بتحييد الاقتصاد عن المناكفات والتنابذ السياسي، لا نقصد عزل السياسة عن الاقتصاد. فهذا الأمر لا مكان له لا في ميدان الاقتصاد ولا في ميدان السياسة ولا في الواقع. إنما نتوخى أن لا تحول الخلافات السياسية دون استمرار عمل المؤسسات الدستورية بفاعلية وإنتاجية لإقرار المشاريع الحيوية للاقتصاد ولمعيشة الشعب اللبناني ومستقبله.
والتشنج السياسي الحالي لن يقعدنا عن العمل والجهد بكل ما أوتينا من قوة لتصويب الخطأ، وللانتقال بالاقتصاد إلى وضعيته السوية من الإنتاج والازدهار. وأنا على ثقة من أننا قادرون على ذلك. فالنهوض الاقتصادي في لبنان يرتكز على الاستقرار الداخلي المعزز بالتوافق السياسي قبل أي شأن آخر، على الرغم من كل ما يجري من حولنا من ثورات واضطرابات. وعلينا جميعا أن نتعاون لتحصينه وتعزيزه في سبيل استعادة معدلات النمو القوية التي استطعنا تحقيقها خلال الفترة من 2007 إلى 2010، التي تراوحت بين 8 و9 في المائة، بينما كانت معظم دول العالم وأهمها تعاني من التراجع والركود. وكان سر نجاحنا في تلك المرحلة الطاحنة من الأزمة الاقتصادية العالمية، على الرغم من أننا كنا قد خرجنا توّا من تداعيات الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان في صيف 2006، الارتكاز على عوامل الاستقرار والتوافق الداخلي اللذين عززا عوامل الثقة، إلى جانب العوامل الاقتصادية الأخرى التي يتمتع بها الاقتصاد اللبناني، والتي يأتي في مقدمتها السياسات الحكيمة للمصرف المركزي وصلابة القطاع المصرفي اللبناني الذي هو بمثابة العمود الفقري للاقتصاد اللبناني.
* كيف ستتعاطون كهيئات اقتصادية مع موضوع سلسلة الرتب والرواتب في حال أحالتها الحكومة فعليا إلى المجلس النيابي؟
- موقفنا واضح منذ البداية، وملتزمون برفض السلسلة انطلاقا من مصلحة الاقتصاد الوطني ومصالح جميع اللبنانيين، وفي طليعتهم المستفيدون منها من موظفي القطاع العام كي لا تكون مكتسباتهم وهمية فيحصلون على زيادة يتآكلها التضخم وتصبح لا قيمة لها، نظرا لأن الاقتصاد لا يستطيع أن يتحملها ولا المالية العامة للدولة. ونحن نؤيد أن يأخذ العمال والموظفون كامل حقوقهم، ودعمنا بقوة الزيادات التي أقرت لموظفي القطاع العام لتعويض غلاء المعيشة، التي تقاضوها بالفعل، أسوة بغيرهم من موظفي القطاع الخاص.
وغايتنا هي منع الانزلاق إلى حالة شبيهة باليونان وغيرها من الدول التي تورطت بالإنفاق غير المدروس، وباتت تواجه عجزا هائلا في ميزانياتها، وحالة انكماش اقتصادي متواصل، وبطالة متفشية وضائقة اجتماعية، مما اضطرها إلى اتخاذ إجراءات تقشفية قاسية، تشمل فيما تشمل تخفيض رواتب القطاع العام بنسبة 30 في المائة وزيادة ضريبة القيمة المضافة إلى 23 في المائة لبعض المنتجات.
ولا بد قبل البحث في أي زيادات على سلسلة الرتب والرواتب من تحقيق زيادات فعلية في الإنتاج والإنتاجية، تأتي نتيجة ومواكبة لخطوات وبرامج الإصلاح المعزز لعجلة النمو الاقتصادي، ولا سيما بالحد من الهدر والفساد، واعتماد المعالجة السليمة لأزمة الكهرباء، وتوجيه الإنفاق العام إلى الاستثمار المجدي، والحفاظ على الاستقرار الضريبي، وتوفير الأجواء المناسبة لاستقطاب السياحة والاستثمارات من المغتربين والعرب والاستثمارات الدولية الباحثة عن ملاذات آمنة ومربحة في ظل الظروف غير المستقرة في المنطقة نتيجة الربيع العربي، إلى جانب الظروف الاقتصادية الدولية التي لا تزال تتخبط في أزمات الديون السيادية.
* تشارك، كرئيس لاتحاد الغرف العربية في قمة الرياض العربية الاقتصادية مطلع العام المقبل، فما توقعاتكم لنتائج القمة في ظل الأوضاع العربية الراهنة؟
- نقوم بالفعل بالتحضير لمشاركة فاعلة في الدورة الثالثة للقمة العربية التنموية: الاقتصادية والاجتماعية التي ستعقد في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية في مطلع عام 2013، برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود.
ونحن لدينا آمال كبيرة لمبادرات جديدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وبشراكة مع القطاع الخاص العربي لمواكبة تطلعات الشباب والمجتمعات العربية، وكسر حلقات التردد والجمود والتراجع. وفي هذه المرحلة المفصلية التي تمر بها البلاد العربية، فإننا نحتاج إلى ربيع حقيقي على مستويين: المستوى الاقتصادي وعناصره من مبادرات ومشاريع خلاقة لتعزيز النمو الاقتصادي لجميع الدول العربية وخلق فرص عمل جديدة ومتنامية، وعلى مستوى العمل الاقتصادي العربي المشترك بهدف طي صفحة المراوحة التي نعاني منها، والتقدم بخطوات ثابتة نحو التكامل من خلال خطوات عملية نافذة، وأهمها: إقرار اتفاقية عربية لتسهيل انتقال أصحاب الأعمال بين الدول العربية، وذلك إلى جانب تنفيذ اتفاقية انتقال العمال العرب. وتطوير الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية بين الدول العربية لكي تواكب تطورات العصر ومتطلبات تعزيز كفاءة الاقتصاد العربي. وتفعيل منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى وإزالة كل العقبات التي تواجهها، بالتزامن مع تعزيز كفاءة التجارة العربية البينية والنقل التجاري عن طريق استكمال البنى التشريعية والتحتية اللازمة وتقليص الوقت المستغرق للمعاملات والإجراءات. وذلك تمهيدا للانتقال النوعي إلى مرحلة الاتحاد الجمركي في 2015، ومن ثم السوق العربية المشتركة في 2020.
* هل من مبادرات مطروحة لدعم دول الربيع العربي؟
- نحن نعد الآن لعقد منتدى القطاع الخاص العربي التحضيري للدورة الثالثة للقمة الاقتصادية في مدينة الرياض يومي 12 و13 يناير (كانون الثاني) المقبل، بالتعاون مع مجلس الغرف السعودية والأمانة العامة لجامعة الدول العربية. وسيعقد هذا المنتدى تحت شعار «مشاركة فاعلة للقطاع الخاص في مبادرات التنمية والتكامل الاقتصادي العربي»، وستتمحور أعمال المنتدى على أهداف أساسية تتضمن البحث في وسائل مواجهة التداعيات الاقتصادية للربيع العربي. ونسعى لأن يتم خلاله إطلاق عدة مبادرات من قبل القطاع الخاص العربي لتوفير فرص العمل الجديدة، وإقامة مراكز لرواد الأعمال، وفي مجالات المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والأمن الغذائي العربي، وغيرها من المشاريع الهادفة إلى تنمية الاستثمار والتجارة وغيرهما من القطاعات.
والواقع أن عملنا لا يقتصر على ذلك، حيث إننا قمنا بكثير من المبادرات لدعم دول الربيع، نذكر منها المؤتمر الحاشد لرجال الأعمال والمستثمرين العرب الذي عقدناه في تونس في مايو (أيار) 2012، والاجتماعات الأخيرة الحاشدة أيضا التي عقدناها خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 لمجلس اتحاد الغرف العربية في الإسكندرية احتفالا باليوبيل الـ90 لغرفة تجارة الإسكندرية، فضلا عن كثير من الدراسات والندوات والنشاطات لدعم الاستثمار في لبنان والسودان وغيرهما. كما أنه على جدول أعمالنا للعام المقبل قائمة غنية ومتنوعة من النشاطات الفعالة في غالبية الدول العربية.
* ما تقديركم للتداعيات الاقتصادية على لبنان في ظل تفاقم الأزمة السورية وطول أمدها؟
- نحن نشعر ونتألم لمعاناة الشعب السوري الشقيق، ونأمل أن تنتهي الأزمة ويتم التوصل إلى الحل المناسب لنتعاون معهم يدا بيد لإعادة إعمار سوريا الحبيبة والعزيزة على قلوبنا. وبطبيعة الحال، سوريا هي جارتنا الأقرب والأكثر ارتباطا باقتصادنا، ولذلك نلنا نصيبنا من التأثيرات، خصوصا أن الاقتصاد اللبناني يرتكز بشكل أساسي على قطاعات الخدمات، ولا سيما السياحة منها، حيث كثير من السياح من الإخوان العرب تعودوا زيارة البلدين بالتتابع. كما أن سوريا تشكل المعبر البري للصادرات اللبنانية إلى الأسواق العربية. لكن هذه التأثيرات لا تزال محدودة ومحصورة ولا تصل إلى مرحلة الخطورة.
والتأثير الأكبر على الاقتصاد اللبناني هو من جراء أوضاعنا الداخلية، وهي حاليا جيدة بعد أن تجاوزنا المرحلة التي شهدناها خلال الصيف الماضي، والتي انتهت إلى غير رجعة بإذن الله. وعلينا أن نعمل لمزيد من اللحمة والوحدة لتوفير المزيد من الحصانة والمنعة للبنان بشعبه واقتصاده على حد سواء.