وقع وزراء خارجية تركيا وسوريا ولبنان والأردن في اسطنبول على وثيقة إعلان نوايا لإنشاء مجلس تعاون استراتيجي عالي المستوى يهدف إلى تعزيز العلاقات الوثيقة القائمة بين هذه البلدان.
هذا الاتفاق الرباعي الهادف الى تعزيز العلاقات التجارية القائمة بينها، يكتسب أهمية لناحية تأسيس كتلة اقتصادية متجانسة تترابط فيما بينها عبر حدود جغرافية تشكل مدخلاً لتحالف إقليمي قادر على مواجهة الأزمات.
الاتفاق يتضمن بندين أساسيين، أولهما إلغاء التأشيرة ما بين الدول الاربعة، وثانيهما إنشاء منطقة تجارة حرة مشتركة لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري المشترك على مختلف الأصعدة.
أسئلة كثيرة تطرح في ما خص انعكاسات هذه الاتفاقية على الاقتصاد اللبناني، وعلى الصادرات لجهة نسبة الارتفاع المتوقعة، وعلى الحركة التجارية في لبنان، أسئلة يجيب عنها وزير الدولة عدنان قصار في حديث لموقع "المستقبل" الإلكتروني، ليقول ان "الصادرات اللبنانية معنية كثيرا بالبند المتعلق بإنشاء منطقة تجارة حرة مشتركة لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري المشترك على مختلف الأصعدة"، لافتاً الى أنه "من المتوقع أن يكون له انعكاسات هامة على المبادلات التجارية بين لبنان وتركيا".
ويلفت القصار الى ان "التبادل التجاري الحالي بين البلدين يعد متواضعا، ولا يتعدى 900 مليون دولار في أحسن حالاته المسجلة عام 2008، والتجارة المتبادلة تقليدية وتتركز على أصناف محددة مع غلبة تجارية للجانب التركي، ولا تتضمن تبادل المنتجات الزراعية ولا منتجات الصناعات الغذائية".
وإذ يذكّر بأن "في عام 2009 شكلت واردات لبنان من تركيا نحو 86% من مجمل التبادل بين البلدين، لتشكل نسبة 4% من مجمل قيمة المستوردات اللبنانية"، يفسّر القصار أن "صادرات لبنان إلى تركيا تمثل نسبة 3% من إجمالي قيمة الصادرات اللبنانية"، مشيراً الى ان "تركيا تأتي في المرتبة السابعة على لائحة أبرز الدول المصدّرة إلى لبنان، وفي المرتبة التاسعة على لائحة أبرز الدول المستوردة من لبنان".
فتح آفاق التعاون
وبعد الاتفاق الذي ألغى تأشيرة الدخول بين البلدين، يأمل القصار أن "يشكل الاتفاق الجديد خطوة ثابتة في اتجاه فتح الآفاق بين الجانبين، خصوصاً أن تركيا تمثل سوقا واعدة وبوابة رئيسية لأوروبا"، كما ينمنى "بذل الجهود المشتركة لضمان التوازن المطلوب من العلاقات التجارية والمتمثل بشقين، الأول حرية التجارة، والثاني عدالة التجارة، لأن الشق الأول لا يكفي بحد ذاته ويشكل جانبا واحدا فقط من المسألة".
كذلك، يقول الوزير أن "التركيز في المفاوضات القادمة سيكون لتنفيذ أهداف وثيقة إعلان النوايا بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين لبنان وتركيا على قضايا حيوية لتعزيز وتسهيل التبادل التجاري بين البلدين".
ويفنّد من هذه القضايا: "إيلاء القطاع الزراعي والصناعات الغذائية أولوية خاصة في المفاوضات القائمة بين الجانبين، واتباع الجدول الزمني الخاص بفترات السماح، وبدء تخفيض الرسوم الجمركية في أي اتفاق مع تركيا وفق الآلية المتبعة في اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، إلى جانب اعتماد لائحة خاصة بالسلع اللبنانية التي تحتاج الى حماية بما لا يحدث تشوهات في التبادل التجاري والنشاط الصناعي في لبنان، مثل حماية قطاع الألبسة اللبناني".
ويلفت القصار الى أن "الاتفاق يأتي بعد تطورات لافتة في العلاقات الاقتصادية، تجلت بزيارات متبادلة التي قامت بها القيادات العليا الرسمية والفعاليات الاقتصادية أدت إلى توقيع عدد من الاتفاقيات لتحسين بيئة الأعمال في كلا البلدين، ولتعزيز التعاون في المجالات الصناعية ونقل التكنولوجيا والسياحية والمصرفية والثقافية والزراعية والغذائية والأمنية والنقل والخدمات المرفئية والطاقة وغيرها من مجالات الأعمال والتجارة، بالإضافة إلى اتفاقات التوزيع والأسواق المشتركة".
توازن في المبادلات
أما في ما يخص نسبة الارتفاع المتوقعة في العائدات اللبنانية بعد توقيع الاتفاق، يتوقع القصار أن "ترتفع قيمة التبادل بين البلدين تدريجيا لتصل إلى مليار دولار عام 2011، تمهيدا للوصول لاحقا إلى 3 مليار دولار سنويا، أي بزيادة نسبتها 300%"، مفسّراً ان "لبنان يسعى إلى "تحسين الميزان التجاري مع تركيا، بما يوفر نوعا من التوازن في المبادلات".
وإلى جانب التحرير التجاري، فإن إلغاء تأشيرات الدخول بحسب القصار، "يعطي دفعة قوية جدا لمزيد من العائدات والفوائد الاقتصادية للبنان، خصوصاً أن الاتفاق بشقيه يشمل أيضا كلا من سوريا والأردن"، موضحاً أنه تم إفساح المجال أمام أكثر من مئة مليون مواطن للتنقل والتجارة الحرة بين هذه البلدان الأربعة، "ولكم أن تتصوروا مجالات الاستثمار وأسواق العمل التي ستكون متاحة أما شعوب هذه البلدان".
وعما إذا كان ذلك سينعكس على الحركة السياحية الوافدة من هذه الدول، يجزم الوزير بأن "دخول لبنان في هذه المنظومة من الشراكات التجارية التي تتضمن إلغاء تأشيرات الدخول في ما بينها سوف ينعكس بشكل كبير على الحركة السياحية الوافدة من هذه الدول إلى لبنان"، لأن "لبنان معروف بمقوماته السياحية الغنية وثقافته وتنوعه وانفتاحه الحضاري، كما أنه اختير الوجهة السياحية رقم واحد للعام 2009 من قبل صحيفة نيويورك تايمز".
عام 2010.. سياحي بامتياز
وإذ يتوقع ان "يكون عام 2010 عام السياحة بامتياز في لبنان وعلى مدار السنة وفي جميع المناطق اللبنانية"، يأمل القصار ان "يرتفع عدد السياح القادمين إلى لبنان إلى نحو 2 مليون، ويمكن أن يصل العدد إلى أكثر من ذلك"، مشيراً الى "أننا نعمل على استقطاب المزيد ليرتفع العدد على مدى السنوات القادمة مع تطبيق خطة السياحة المستدامة التي أقرتها حكومة الوحدة الوطنية أخيرا".
ويعتبر القصار ان هذا الاتفاق "يمثل بداية الطريق نحو سوق إقليمية مشتركة"، لافتاً الى ان "المسألة لا تقتصر على هذه المنظومة الرباعية فحسب لأنه سبق لتركيا أن ارتبطت باتفاقيات تجارة حرة مع مصر والمغرب وتونس وفلسطين، وكان من شأنها أن زادت حجم صادرات هذه الدول إلى تركيا، كما زادت أيضا في الاستثمارات التركية إليها، وهناك مفاوضات منذ عام 2005 مع دول مجلس التعاون الخليجي لهذه الغاية".
أما على مستوى القطاع الخاص العربي والتركي، يتحدث القصار عن مذكرة التفاهم التي قام هو شخصيا بتوقيعها بصفته رئيسا للاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية، مع اتحاد الغرف والمبادلات السلعية في تركيا، مفسراً ان "الاتفاق يهدف إلى التعاون في التجارة والاستثمار ونقل التكنولوجيا، وكذلك دعم وتنسيق وتشجيع المشروعات الاقتصادية وتعزيز النشاطات المشتركة".
قيمة مضافة للسوق العربية
ويخلص في هذه النقطة الى أن "الشراكة بين لبنان وتركيا تأتي ضمن مساحة جغرافية واقتصادية قابلة للاتساع، وتمثل قيمة مضافة للسوق العربية المشتركة التي تتقدم ببطء، ويمكن النظر إلى الاتفاق على أنه نواة للشراكة مع الدول الأخرى الراغبة في الانضمام إلى المجلس"، مؤكداً في الوقت نفسه أن "هذا الاتفاق الجديد يمكن أن يشرع الأبواب على أسواق دولية أخرى، نظراً الى أن تركيا لديها اتفاقيات تجارة حرة مع نحو 20 دولة حول العالم من أهمها الاتحاد الأوروبي، ودول رابطة "أفتا" التي تضم النرويج وسويسرا وليختنشتاين".
كما يذكّر بأن "الاقتصاد التركي حقق تقدما كبيرا خلال السنوات الماضية ليحتل المركز 15 بين أقوى اقتصادات العالم، خصوصاً أنه تحول إلى اعتماد المعايير الأوروبية للتصنيع والتصدير، مما أعطاه مكانة فريدة وقدرة تنافسية قوية"، لافتاً الى أن "هناك توقعات أن تحتل تركيا المركز الخامس في العالم بحلول عام 2050".
ويشير القصار إلى أن "الناتج المحلي الإجمالي لتركيا بلغ في عام 2009 634 مليار دولار، مقابل 33 مليار دولار للبنان، ومن المتوقع أن تحقق تركيا ارتفاعا في معدل النمو الاقتصادي عام 2010 إلى 6 – 7% مقابل 4.7% لعام 2009، كما يتوقع أن يحقق لبنان نموا بنسبة 8% في العام الحالي مقابل 9% للعام السابق".
الواقعية السياسية
أما بالنسبة إلى إنشاء تكتل اقتصادي مشابه لتجربة الاتحاد الأوروبي أو دول مجلس التعاون الخليجي، فيكشف أن "الأمور تتجه إلى تشكيل تكتل اقتصادي في المنطقة على غرار التكتلات الدولية"، موضحاً أن "المسألة تحتاج إلى وقت ومتابعة حثيثة من قبل الأطراف كافة، خصوصا على المستوى السياسي".
وإذ يشدد على أن "الحافز الأساسي وراء هذا الزخم من التقدم في العلاقات المؤسساتية جاء نتيجة للتحسن الكبير في العلاقات السياسية"، يلفت الى "عامل أساسي آخر يرتبط بالتجربة التركية وهو الواقعية السياسية التركية التي لعبت دورا أساسيا في الالتفات إلى دول الجوار في المنطقة والتي تمثل إمكانات هائلة لتعزيز المصالح الاقتصادية والتجارية المشتركة".
وفي ختام حديثه، يرى القصار ان "المهم في الأمر أن القطار انطلق، ومساره قابل للتوسع أكثر فأكثر ليمضي حرا من دون التوقف عند أي بوابات حدودية، وعلينا أن نعمل بجد واهتمام بالغ للاستفادة من الفرص الوفيرة التي ستتاح على المستويات كافة".
لينا صالح |